الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عَهِدْنَا إِلَيْهِ أَيْضًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: (وَأَذِّنْ) أَعْلِمْ وَنَادِ فِي النَّاسِ أَنْ حِجُّوا أَيُّهَا النَّاسُ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامِ {يَأْتُوكَ رِجَالًا} يَقُولُ: فَإِنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ الْبَيْتَ الَّذِي تَأْمُرُهُمْ بِحَجِّهِ مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِهِمْ {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} يَقُولُ: وَرُكْبَانًا عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ، وَهِيَ الْإِبِلُ الْمَهَازِيلُ {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} يَقُولُ: تَأْتِي هَذِهِ الضَّوَامِرُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ: يَقُولُ: مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ وَمَكَانٍ وَمَسْلَكٍ بَعِيدٍ. وَقِيلَ: يَأْتِينَ. فَجَمَعَ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِكُلِّ ضَامِرٍ: النُّوقُ. وَمَعْنَى الْكُلِّ: الْجَمْعُ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: يَأْتِينَ. وَقَدْ زَعَمَ الْفَّرَّاءُ أَنَّهُ قَلِيلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مَرَرْتُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ قَائِمِينَ. قَالَ: وَهُوَ صَوَابٌ، وَقَوْلُ اللَّهِ "وَعَلَى ضَامِرٍ يَأْتِينَ" يُنْبِئُ عَلَى صِحَّةِ جَوَازِهِ. وَذُكِرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِالتَّأْذِينِ بِالْحَجِّ، قَامَ عَلَى مَقَامِهِ فَنَادَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا بَيْتَهُ الْعَتِيقَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صِفَةِ تَأْذِينِ إِبْرَاهِيمَ بِذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَادَى بِذَلِكَ كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قِيلَ لَهُ: {أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} قَالَ: رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ فَنَادَى إِبْرَاهِيمُ: أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَحُجُّوا- قَالَ: فَسَمِعَهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَفَلَا تَرَى النَّاسَ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ بْنِ غَزَوَانَ الضَّمِّيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَنَى إِبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا، وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَحُجُّوهُ، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَا سَمِعَهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ حَجَرٍ وَشَجَرٍ وَأَكَمَةٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ شَيْءٍ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ وَاقَدْ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} قَالَ: قَامَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ عَلَى الْحَجَرِ، فَنَادَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ، فَأُسْمِعُ مَنْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ، فَأَجَابَهُ مَنْ آمَنَ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يَحُجَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} قَالَ: وَقَّرَتْ فِي قَلْبِ كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى. حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: فَخَرَجَ فَنَادَى فِي النَّاسِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ يَوْمَئِذٍ مِنْ إِنْسٍ، وَلَا جِنٍّ، وَلَا شَجَرٍ، وَلَا أَكَمَةٍ، وَلَا تُرَابٍ، وَلَا جَبَلٍ، وَلَا مَاءٍ، وَلَا شَيْءٍ إِلَّا قَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى الْمَقَامِ حِينَ أَمَرَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ. حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} قَالَ: قَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى مَقَامِهِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، فَمَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، قَامَ عَلَى الْمَقَامِ، فَنَادَى نِدَاءً سَمِعَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ: إِنْ رَبَّكُمْ قَدْ بَنَى لَكُمْ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، قَالَ دَاوُدُ: فَأَرْجُو مَنْ حَجَّ الْيَوْمَ مِنْ إِجَابَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي كَيْفَ كَانَتِ التَّلْبِيَةُ؟ قُلْتُ: وَكَيْفَ كَانَتِ التَّلْبِيَةُ؟ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أَمَرَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، خَفَّضَتْ لَهُ الْجِبَالُ رُءُوسَهَا، وَرُفِعَتِ الْقُرَى، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَيْفَ أَقُولُ يَا رَبِّ؟ قَالَ: قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ، قَالَ: وَقَرَّتْ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ. وَقَالَ آخَرُونَ فَى ذَلِكَ، مَا حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ. قَالَ: فَكَانَتْ أَوَّلَ التَّلْبِيَةِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: عَنَى بِالنَّاسِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَهْلَ الْقِبْلَةِ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} يَعْنِي بِالنَّاسِ أَهْلَ الْقِبْلَةِ، أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَالَ: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَةَ مُبَارَكًا}... [إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [يَقُولُ: وَمَنْ دَخَلَهُ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ أَمَرَ أَنْ يُؤْذِنَ فِيهِمْ، وَكُتِبَ عَلَيْهِمُ الْحَجَّ، فَإِنَّهُ آمِنٌ، فَعَظَّمُوا حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ قَالُوا فِيهِ نَحْوَ قَوْلِنَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} قَالَ: مُشَاةً. قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ فَاتَنِي إِلَّا أَنْ لَا أَكُونَ حَجَجْتُ مَاشِيًا، سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {يَأْتُوكَ رِجَالًا}. قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَجَّ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ مَاشِيَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} قَالَ: عَلَى أَرْجُلِهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} قَالَ: الْإِبِلُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} قَالَ: الْإِبِلُ. حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيِّ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا لَا يَرْكَبُونَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} قَالَ: فَأَمَرَهُمْ بِالزَّادِ، وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الرُّكُوبِ وَالْمَتْجَرِ. وَقَوْلُهُ {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} يَعْنِي: مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} قَالَ: بَعِيدٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَجٍّ عَمِيقٍ} قَالَ: مَكَانٌ بَعِيدٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمَنَافِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ التِّجَارَةُ وَمَنَافِعُ الدُّنْيَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قَالَ: هِيَ الْأَسْوَاقُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تِجَارَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فِي قَوْلِهِ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قَالَ: أَسْوَاقُهُمْ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاقَدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قَالَ: التِّجَارَةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ وَاقَدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ وَاقَدٍ عَنْ سَعِيدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا سِنَانٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النُّجُودِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قَالَ: الْأَسْوَاقُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ، وَالتِّجَارَةُ فِي الدُّنْيَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَا ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قَالَ: التِّجَارَةُ، وَمَا يُرْضِي اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قَالَ: الْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ، وَالتِّجَارَةُ فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ الْعَفْوُ وَالْمَغْفِرَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قَالَ: الْعَفْوُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي أَبُو تُمَيْلَةَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: مَغْفِرَةٌ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي يُرْضِي اللَّهَ وَالتِّجَارَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَمَّ لَهُمْ مَنَافِعَ جَمِيعِ مَا يَشْهَدُ لَهُ الْمَوْسِمُ، وَيَأْتِي لَهُ مَكَّةَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ مِنْ مَنَافِعَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِهِمْ بِخَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ، فَذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْمَنَافِعِ الَّتِي وُصِفَتْ. وَقَوْلُهُ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَيْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْهَدَايَا وَالْبُدْنِ الَّتِي أَهْدَوْهَا مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ، وَهُنَّ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ أَيَّامُ الْعَشْرِ. وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ، وَبَيَّنَا الْأَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، غَيْرَ أَنِّي أَذْكُرُ بَعْضَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ فِي قَوْلِهِ: {أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} يَعْنِي الْبُدْنَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} قَالَ: أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَقَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِنْهَا} يَقُولُ: كُلُوا مِنْ بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ الَّتِي ذَكَرْتُمُ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَيُّهَا النَّاسُ هُنَالِكَ. وَهَذَا الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْرُ إِبَاحَةٍ لَا أَمْرُ إِيجَابٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ جَمِيعِ الْحُجَّةِ أَنَّ ذَابِحَ هَدْيَهُ أَوْ بَدَنَتَهُ هُنَالِكَ إِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ هَدْيِهِ أَوْ بَدَنَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ لَهُ فَرْضًا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْ بَعْضِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ:- حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَوْلَهُ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} قَالَ: كَانَ لَا يَرَى الْأَكْلَ مِنْهَا وَاجِبًا. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: هِيَ رُخْصَةٌ إِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ، وَهِيَ كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} يَعْنِي قَوْلَهُ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْمِعُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}. قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِنْهَا} قَالَ: هِيَ رُخْصَةٌ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ. قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِنْهَا} قَالَ: هِيَ رُخْصَةٌ، فَإِنْ شَاءَ لِمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا زَيْدٌ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِنْهَا} قَالَ: إِنَّمَا هِيَ رُخْصَةٌ. وَقَوْلُهُ: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} يَقُولُ: وَأَطْعَمُوا مِمَّا تَذْبَحُونَ أَوْ تَنْحَرُونَ هُنَالِكَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مِنْ هَدْيِكُمْ وَبَدَنِكُمُ الْبَائِسَ، وَهُوَ الَّذِي بِهِ ضَرُّ الْجُوعِ وَالزَّمَانَةُ وَالْحَاجَةُ، وَالْفَقِيرَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} يَعْنِي الزَّمِنَ الْفَقِيرَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} الَّذِي يَمُدُّ إِلَيْكَ يَدَيْهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} قَالَ: هُوَ الْقَانِعُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: الْبَائِسُ: الْمُضْطَرُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْبُؤْسُ- وَالْفَقِيرُ: الْمُتَعَفِّفُ. قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: (الْبَائِسَ) الَّذِي يَبْسُطُ يَدَيْهِ. وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ لِيَقْضُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِ حَجِّهِمْ: مِنْ حَلْقِ شَعْرٍ، وَأَخْذِ شَارِبٍ، وَرَمْيِ جَمْرَةٍ، وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثَنِي يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قَالَ: مَا هُمْ عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مُسْعِدَةَ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنِي الْأَشْعَثُ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: التَّفَثُ: الْمَنَاسِكُ كُلُّهَا. قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قَالَ: التَّفَثُ: حَلْقُ الرَّأْسِ، وَأَخْذٌ مِنَ الشَّارِبَيْنِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَالْأَخْذُ مِنَ الْعَارِضَيْنِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَالْمَوْقِفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةَ. حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: التَّفَثُ: الشَّعْرُ وَالظُّفْرُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} رَمْيُ الْجِمَارِ، وَذَبْحُ الذَّبِيحَةِ، وَأَخْذُ مِنَ الشَّارِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ وَالْأَظْفَارِ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قَالَ: هُوَ حَلْقُ الرَّأْسِ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَجِّ قَالَ شُعْبَةُ: لَا أَحْفَظُهَا. قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو؛ قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قَالَ: حَلْقُ الرَّأْسِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَقَصْرُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَقَصُّ اللِّحْيَةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي حَدِيثِهِ: وَقَصُّ اللِّحْيَةِ. حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ ابْنَ جُرَيْجٍ، عَنْ قَوْلِهِ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قَالَ: الْأَخْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَمِنَ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَأَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُمَا قَالَا: حَلْقُ الرَّأْسِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} يَعْنِي حَلَقَ الرَّأْسِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: التَّفَثُ: حَلْقُ الرَّأْسِ، وَتَقْلِيمُ الظُّفْرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} يَقُولُ: نُسُكَهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قَالَ: التَّفَثُ: حُرُمُهُمْ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قَالَ: يَعْنِي بِالتَّفَثِ: وَضْعُ إِحْرَامِهِمْ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ، وَلَبْسِ الثِّيَابِ، وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: التَّفَثُ: حَلْقُ الشَّعْرِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَالْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَأَمْرُ الْحَجِّ كُلِّهِ. وَقَوْلُهُ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} يَقُولُ: وَلْيُوفُوا اللَّهَ بِمَا نَذَرُوا مِنْ هَدْيٍ وَبَدَنَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} نَحْرُ مَا نَذَرُوا مِنَ الْبُدْنِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى- وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} نَذْرُ الْحَجِّ وَالْهَدْيِ، وَمَا نَذَرَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْحَجِّ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} قَالَ: نَذْرُ الْحَجِّ وَالْهَدْيِ، وَمَا نَذَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} يَقُولُ: وَلِيَطَّوَّفُوا بِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: (الْعَتِيقِ) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ ذَلِكَ لِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ أَنْ يَصِلُوا إِلَى تَخْرِيبِهِ وَهَدْمِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِنَّمَا سُمِّي الْعَتِيقَ، لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ. قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قَالَ: أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: {الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قَالَ: أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، يَعْنِي الْكَعْبَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ لَهُ عَتِيقٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقِدَمِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قَالَ: الْعَتِيقُ: الْقَدِيمُ، لِأَنَّهُ قَدِيمٌ، كَمَا يُقَالُ: السَّيْفُ الْعَتِيقُ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ بِنَاهُ آدَمُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ، ثُمَّ بَوَّأَ اللَّهُ مَوْضِعَهُ لِإِبْرَاهِيمَ بَعْدَ الْغَرَقِ، فَبَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: {الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَجْهٌ صَحِيحٌ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ أَغْلَبُ مَعَانِيهِ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ. غَيْرَ أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، إِنْ كَانَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ قَطُّ صَحِيحًا». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "«إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِقُ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَه»" ثُمَّ ذَكَرَ مَثَلَهُ. وَعَنَى بِالطَّوَافِ الَّذِي أَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَاجَّ بَيْتِهِ الْعَتِيقِ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ الَّذِي يُطَافُ بِهِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، إِمَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَإِمَّا بَعْدَهُ، لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ. ذِكْرُ الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قَالَ: طَوَافُ الزِّيَارَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا خَالِدٌ قَالَ: ثَنَا الْأَشْعَثُ، أَنِ الْحَسَنَ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قَالَ: الطَّوَافُ الْوَاجِبُ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} يَعْنِي زِيَارَةَ الْبَيْتِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قَالَ: طَوَافُ يَوْمِ النَّحْرِ. حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ زُهَيْرًا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قَالَ: طَوَافُ الْوَدَاعِ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ هَذِهِ الْحُرُوفِ، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ " ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا" بِتَسْكِينِ اللَّامِ فِي كُلِّ ذَلِكَ طَلَبُ التَّخْفِيفِ، كَمَا فَعَلُوا فِي هُوَ إِذَا كَانَتْ قَبْلَهُ وَاوٌ، فَقَالُوا "وَهْوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" فَسَكَّنُوا الْهَاءَ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي لَامِ الْأَمْرِ إِذَا كَانَ قَبْلَهَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ النَّسَقِ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ. وَكَذَلِكَ قَرَأَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ كَانَ يَكْسِرُ اللَّامَ مِنْ قَوْلِهِ: (ثُمَّ لْيَقْضُوا) خَاصَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى ثُمَّ دُونَ لِيَقْضُوا حَسَنٌ، وَغَيْرُ جَائِزِ الْوُقُوفِ عَلَى الْوَاوِ وَالْفَاءِ، وَهَذَا الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ أَبُو عَمْرٍو لِقِرَاءَتِهِ عِلَّةٌ حَسَنَةٌ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ عَلَى تَسْكِينِهَا. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّ التَّسْكِينَ فِي لَامِ "لِيَقْضُوا"وَالْكَسْرَ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَلُغَتَانِ سَائِرَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ. غَيْرَ أَنَّ الْكَسْرَ فِيهَا خَاصَّةً أَقِيسُ، لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي عَمْرٍو مِنَ الْعِلَّةِ، لِأَنَّ مَنْ قَرَأَ " {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} "فَهُوَ بِتَسْكِينِ الْهَاءِ مَعَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ، وَيُحَرِّكُهَا فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} فَذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ فِي قَوْلِهِ: " {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}" فَيُحَرِّكُ اللَّامَ إِلَى الْكَسْرِ مَعَ "ثُمَّ" وَإِنْ سَكَّنَهَا فِي قَوْلِهِ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَّمِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ تَحْرِيكَهَا مَعَ "ثُمَّ" وَالْوَاوِ، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ مَعَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ عَلَى تَسْكِينِهَا، وَهِيَ أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ فِي الْعَرَبِ وَأَفْصَحُهَا، فَالْقِرَاءَةُ بِهَا أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ كَسْرِهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ (ذَلِكَ) هَذَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ وَالْوَفَاءِ بِالنُّذُورِ، وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، هُوَ الْفَرْضُ الْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِي حَجِّكُمْ {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} يَقُولُ: وَمَنْ يَجْتَنِبْ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِاجْتِنَابِهِ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ تَعْظِيمًا مِنْهُ لِحُدُودِ اللَّهِ أَنْ يُوَاقِعَهَا وَحُرْمَهُ أَنْ يَسْتَحِلَّهَا، فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ فِي الْآخِرَةِ. كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} قَالَ: الْحُرْمَةُ: مَكَّةُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ كُلِّهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} قَالَ: الْحُرُمَاتُ: الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، وَالْبَيْتُ الْحَرَامُ، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَالْبَلَدُ الْحَرَامُ، هَؤُلَاءِ الْحُرُمَاتُ. وَقَوْلُهُ: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَأَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْأَنْعَامَ أَنْ تَأْكُلُوهَا إِذَا ذَكَّيْتُمُوهَا، فَلَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْكُمْ مِنْهَا بُحَيْرَةً، وَلَا سَائِبَةً، وَلَا وَصِيلَةً، وَلَا حَامًا، وَلَا مَا جَعَلْتُمُوهُ مِنْهَا لِآلِهَتِكُمْ {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} يَقُولُ: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَذَلِكَ: الْمَيْتَةُ، وَالدَّمُ، وَلَحْمُ الْخِنْـزِيرِ، وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَالْمُنْخَنِقَةُ، وَالْمَوْقُوذَةُ، وَالْمُتَرَدِّيَةُ، وَالنَّطِيحَةُ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ، وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصْبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ رِجْسٌ. كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} قَالَ: إِلَّا الْمِيتَةَ، وَمَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} يَقُولُ: فَاتَّقُوا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَطَاعَةَ الشَّيْطَانِ فِي عِبَادَتِهَا فَإِنَّهَا رِجْسٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فَى تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاجْتَنِبُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: {الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} قَالَ: عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ. وَقَوْلُهُ: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاتَّقَوْا قَوْلَ الْكَذِبِ وَالْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ بِقَوْلِكُمْ فِي الْآلِهَةِ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وَقَوْلِكُمْ لِلْمَلَائِكَةِ: هِيَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ وَزُورٌ وَشِرْكٌ بِاللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ: أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: قَوْلُ الزُّورِ قَالَ: الْكَذِبُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} يَعْنِي: الِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ وَالتَّكْذِيبُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: تَعْدِلُ شَهَادَةَ الزُّورِ بِالشِّرْكِ. وَقَرَأَ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الشِّرْكَ. ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ الْعُصْفُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتَكٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالشِّرِكِ بِاللَّهِ" ثُمَّ قَرَأَ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الْعُصْفُرِيِّ، عَنْ فَاتَكِ بْنِ فُضَالَةَ، عَنْ أَيْمَنِ بْنِ خُرَيْمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ" مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ: اجْتَنِبُوا أَنْ تَرْجِسُوا أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْأَوْثَانِ بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا. فَإِنَّ قَالَ قَائِلٌ: وَهَلْ مِنَ الْأَوْثَانِ مَا لَيْسَ بِرِجْسٍ حَتَّى قِيلَ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْهَا؟ قِيلَ: كُلُّهَا رِجْسٌ. وَلَيْسَ الْمَعْنَى مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْأَوْثَانِ أَيْ عِبَادَتِهَا، فَالَّذِي أَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ} مِنْهَا اتِّقَاءَ عِبَادَتِهَا، وَتِلْكَ الْعِبَادَةُ هِيَ الرِّجْسُ، عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ قَبْلُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اجْتَنِبُوا أَيُّهَا النَّاسُ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَقَوْلَ الشِّرْكِ، مُسْتَقِيمِينَ لِلَّهِ عَلَى إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ لَهُ، وَإِفْرَادِ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ لَهُ خَالِصًا دُونَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ شَيْئًا مِنْ دُونِهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ دُونِهِ، فَمَثَلَهُ فِي بُعْدِهِ مِنَ الْهُدَى وَإِصَابَةِ الْحَقِّ وَهَلَاكِهِ وَذَهَابِهِ عَنْ رَبِّهِ مَثَلُ مَنْ خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ فَهَلَكَ، أَوْ هَوَتْ بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ، يَعْنِي مِنْ بَعِيدٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: أَسَحَقَتْهُ الرِّيحُ وَسَحَقَتْهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّخْلَةِ الطَّوِيلَةِ: نَخْلَةٌ سُحُوقٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: كَـانَتْ لَنـا جَـارَةٌ فَأَزْعَجَهَا *** قَـاذُورَةٌ تَسْـحَقُ النَّـوَى قُدُمَـا وَيُرْوَى: تَسْحَقُ: يَقُولُ: فَهَكَذَا مَثَلُ الْمُشْرِكِ بِاللَّهِ فِي بُعْدِهِ مِنْ رَبِّهِ وَمِنْ إِصَابَةِ الْحَقِّ، كَبُعْدِ هَذَا الْوَاقِعِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، أَوْ كَهَلَاكِ مَنِ اخْتَطَفَتْهُ الطَّيْرُ مِنْهُمْ فِي الْهَوَاءِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فِي بُعْدِهِ مِنَ الْهُدَى وَهَلَاكِهِ {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} قَالَ: بَعِيدٌ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَقِيلَ: {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} وَقَدْ قِيلَ قَبْلَهُ: {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} وَخَرَّ فِعْلٌ مَاضٍ، وَتَخَطَفُهُ مُسْتَقْبَلٌ، فَعَطَفَ بِالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَاضِي، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ هُنَاكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنَ اجْتِنَابِ الرِّجْسِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتِنَابِ قَوْلِ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ، وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانُ الْبُدْنِ وَاسْتِسْمَانُهَا وَأَدَاءُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، مِنْ تَقْوَى قُلُوبِكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} قَالَ: اسْتِعْظَامُهَا، وَاسْتِحْسَانُهَا، وَاسْتِسْمَانُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} قَالَ: الِاسْتِسْمَانُ وَالِاسْتِعْظَامُ. وَبِهِ عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالِاسْتِحْسَانُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} قَالَ: اسْتِعْظَامُ الْبُدْنَ، وَاسْتِسْمَانُهَا، وَاسْتِحْسَانُهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، قَالَ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَبِجَمْعٍ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَالْبُدْنُ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَمَنْ يُعَظِّمُهَا فَإِنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} فَمِنْ يُعَظِّمُهَا فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} قَالَ: الشَّعَائِرُ: الْجِمَارُ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةُ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامِ وَالْمُزْدَلِفَةُ، قَالَ: وَالشَّعَائِرُ تُدْخِلُ فِي الْحَرَمِ، هِيَ شَعَائِرُ، وَهِيَ حَرَمٌ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنِ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ تَعْظِيمَ شَعَائِرِهِ، وَهِيَ مَا حَمَلَهُ أَعْلَامًا لِخَلْقِهِ فِيمَا تَعَبَّدَهُمْ بِهِ مِنْ مَنَاسِكِ حَجِّهِمْ، مِنَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا عِنْدَهَا وَالْأَعْمَالِ الَّتِي أَلْزَمَهُمْ عَمَلَهَا فِي حَجِّهِمْ: مِنْ تَقْوَى قُلُوبِهِمْ؛ لَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَتَعْظِيمُ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ؛ وَحَقٌّ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ تَعْظِيمُ جَمِيعِ ذَلِكَ. وَقَالَ: {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} وَأَنَّثَ وَلَمْ يُقَلْ: فَإِنَّهُ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ: فَإِنَّ تِلْكَ التَّعْظِيمَةَ مَعَ اجْتِنَابِ الرِّجْسِ مِنَ الْأَوْثَانِ مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} فَإِنَّهَا مَنْ وَجَلِ الْقُلُوبِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَحَقِيقَةُ مَعْرِفَتِهَا بِعَظَمَتِهِ وَإِخْلَاصِ تَوْحِيدِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمَنَافِعِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهَا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، عَلَى نَحْوِ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَعْنَى الشَّعَائِرِ الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا عَنَى بِالشَّعَائِرِ الْبُدْنَ. مَعْنَى ذَلِكَ: لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي الْبُدْنَ مَنَافِعٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَيْضًا الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَهُمْ فِيهَا مَنَافِعٌ، وَفِي الْأَجَلِ الَّذِي قَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ: (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَالُ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ لَهُمْ فِيهَا مَنَافِعَ، هِيَ الْحَالُ الَّتِي لَمْ يُوجِبْهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يُسَمِّهَا بَدَنَةً وَلَمْ يُقَلِّدْهَا. قَالُوا: وَمَنَافِعُهَا فَى هَذِهِ الْحَالِ: شُرْبُ أَلْبَانِهَا، وَرُكُوبُ طَهُورِهَا، وَمَا يَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْ نِتَاجِهَا وَأَوْلَادِهَا. قَالُوا: وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى الَّذِي أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا إِلَيْهِ، هُوَ إِلَى إيِجَابِهِمْ إِيَّاهَا، فَإِذَا أَوْجَبُوهَا بَطَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: مَا لَمْ يُسَمَّ بُدْنًا. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: الرُّكُوبُ وَاللَّبَنُ وَالْوَلَدُ، فَإِذَا سُمِّيَتْ بَدَنَةً أَوْ هَدْيًا ذَهَبَ كُلُّهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: لَكُمْ فِي ظُهُورِهَا وَأَلْبَانِهَا وَأَوْبَارِهَا، حَتَّى تَصِيرَ بُدْنًا. قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَلَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: فِي أَشْعَارِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَلْبَانِهَا قَبْلَ أَنْ تُسَمِّيَهَا بَدَنَةً. قَالَ: ثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: فِي الْبُدْنِ لُحُومُهَا وَأَلْبَانُهَا وَأَشْعَارُهَا وَأَوْبَارُهَا وَأَصْوَافُهَا قَبْلَ أَنْ تُسَمَّى هَدْيًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَهِيَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قَالَ: مَنَافِعُ فِي أَلْبَانِهَا وَظُهُورِهَا وَأَوْبَارِهَا (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) إِلَى أَنْ تُقَلَّدَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: إِلَى أَنْ تُوجِبَهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} يَقُولُ: فِي ظُهُورِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَإِذَا قُلِّدَتْ فَمَحَلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ الشَّعَائِرُ الْبُدْنُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا} مِنْ ذِكْرِ الشَّعَائِرِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} لِكُمْ فِي الشَّعَائِرِ الَّتِي تُعَظِّمُونَهَا لِلَّهِ مَنَافِعٌ بَعْدَ اتِّخَاذِكُمُوهَا لِلَّهِ بُدْنًا أَوْ هَدَايَا، بِأَنْ تَرْكَبُوا ظُهُورَهَا إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَتَشْرَبُوا أَلْبَانَهَا إِنِ اضْطَرَرْتُمْ إِلَيْهَا. قَالُوا: وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) إِلَى أَنْ تُنْحَرَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: هُوَ رُكُوبُ الْبُدْنِ، وَشُرْبُ لَبَنَهَا إِنِ احْتَاجَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فِي قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: إِلَى أَنْ تُنْحَرَ، قَالَ: لَهُ أَنْ يَحْمِلَهَا عَلَيْهَا الْمُعْيَى وَالْمُنْقَطِعُ بِهِ مِنَ الضَّرُورَةِ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَدَنَةِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهَا سَيِّدُهَا أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا وَيَرْكَبَ عِنْدَ مَنْهُوكِهِ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا؟ قَالَ: الرَّجُلُ الرَّاجِلُ، وَالْمُنْقَطِعُ بِهِ، وَالْمُتَّبَعُ وَإِنْ نَتَجَتْ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا وَلَدَهَا، وَلَا يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا فَضْلًا عَنْ وَلَدِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي لَبَنِهَا فَضْلٌ فَلْيَشْرَبْ مَنْ أَهْدَاهَا وَمَنْ لَمْ يُهْدِهَا. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَى الشَّعَائِرِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}. شَعَائِرُ الْحَجِّ، وَهِيَ الْأَمَاكِنُ الَّتِي يُنْسَكُ عِنْدَهَا لِلَّهِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَعْنَى الْمَنَافِعِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَكُمْ فِي هَذِهِ الشَّعَائِرِ الَّتِي تُعَظِّمُونَهَا مَنَافِعُ بِتِجَارَتِكُمْ عِنْدَهَا وَبَيْعِكُمْ وَشِرَائِكُمْ بِحَضْرَتِهَا وَتَسُوقُكُمْ. وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى: الْخُرُوجُ مِنَ الشَّعَائِرِ إِلَى غَيْرِهَا وَمِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُنْسَكُ عِنْدَهَا إِلَى مَا سِوَاهَا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ. حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الضَّبِّيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} قَالَ: أَسْوَاقُهُمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَنَافِعَ إِلَّا لِلدُّنْيَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى قَوْلَهُ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ: وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى: الْخُرُوجُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: الْمَنَافِعُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعَمَلُ لِلَّهِ بِمَا أَمَرَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ. قَالُوا: وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى: هُوَ انْقِضَاءُ أَيَّامِ الْحَجِّ الَّتِي يُنْسَكُ لِلَّهِ فِيهِنَّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} لَكُمْ فِي تِلْكَ الشَّعَائِرِ مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، إِذَا ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَيَّامُ لَمْ تَرَ أَحَدًا يَأْتِي عَرَفَةَ يَقِفُ فِيهَا يَبْتَغِي الْأَجْرَ، وَلَا الْمُزْدَلِفَةَ، وَلَا رَمْيَ الْجِمَارِ، وَقَدْ ضَرَبُوا مِنَ الْبُلْدَانِ لِهَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا الْمَنَافِعَ، وَإِنَّمَا مَنَافِعُهَا إِلَى تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَهِيَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى، ثُمَّ مَحِلُّهَا حِينَ تَنْقَضِي تِلْكَ الْأَيَّامُ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ دَلَّلْنَا قَبْلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} مَعْنِيٌّ بِهِ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ أَوْ مَكَانٍ جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَمًا لِمَنَاسِكِ حَجِّ خَلْقِهِ، إِذْ لَمْ يُخَصِّصُ مِنْ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ شَيْئًا فِي خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فِي هَذِهِ الشَّعَائِرِ مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الشَّعَائِرِ بُدْنًا وَهَدْيًا، فَمَنَافِعُهَا لَكُمْ مِنْ حِينِ تَمْلِكُونَ إِلَى أَنْ أَوْجَبْتُمُوهَا هَدَايًا وَبُدْنًا، وَمَا كَانَ مِنْهَا أَمَاكِنُ يُنْسَكُ لِلَّهِ عِنْدَهَا، فَمَنَافِعُهَا التِّجَارَةُ لِلَّهِ عِنْدَهَا وَالْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ بِهِ إِلَى الشُّخُوصِ عَنْهَا، وَمَا كَانَ مِنْهَا أَوْقَاتًا بِأَنْ يُطَاعَ اللَّهُ فِيهَا بِعَمَلِ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَبِطَلَبِ الْمَعَاشِ فِيهَا بِالتِّجَارَةِ، إِلَى أَنْ يُطَافَ بِالْبَيْتِ فِي بَعْضٍ، أَوْ يُوَافِي الْحَرَمَ فِي بَعْضٍ وَيَخْرُجُ عَنِ الْحَرَمِ فِي بَعْضٍ. وَقَالَ اخْتَلَفَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا عَنَى بِالشَّعَائِرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْبُدْنَ مَعْنَى ذَلِكَ ثُمَّ مَحِلُّ الْبُدْنِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ مَكَّةَ، وَهِيَ الَّتِي بِهَا الْبَيْتُ الْعَتِيقُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} إِلَى مَكَّةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} يَعْنِي مَحِلَّ الْبُدْنِ حِينَ تُسَمَّى إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: (ثُمَّ مَحِلُّهَا) حِينَ تُسَمَّى هَدْيًا {إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، قَالَ: الْكَعْبَةُ أَعْتَقَهَا مِنَ الْجَبَابِرَةِ. فَوَجَّهَ هَؤُلَاءِ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى سَمْيِ مَنْحَرِ الْبُدْنِ وَالْهَدَايَا الَّتِي أَوْجَبْتُمُوهَا إِلَى أَرْضِ الْحَرَمِ، وَقَالُوا: عَنَى بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَرْضَ الْحَرَمِ كُلَّهَا. وَقَالُوا: وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} وَالْمُرَادُ: الْحَرَمُ كُلُّهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ مَحَلُّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مَنَاسِكِ حَجِّكُمْ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَنْ تَطُوفُوا بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ قَضَائِكُمْ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قَالَ: مَحَلُّ هَذِهِ الشَّعَائِرِ كُلِّهَا الطَّوَّافُ بِالْبَيْتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ مَحِلُّ مَنَافِعِ أَيَّامِ الْحَجِّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ بِانْقِضَائِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} حِينَ تَنْقَضِي تِلْكَ الْأَيَّامُ، أَيَّامُ الْحَجِّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ مَحِلِّ الشَّعَائِرِ الَّتِي لَكَمَ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ هَدْيًا أَوْ بُدْنًا فَبِمُوَافَاتِهِ الْحَرَمَ فِي الْحَرَمِ، وَمَا كَانَ مِنْ نَسُكٍ فَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي مَعْنَى الشَّعَائِرِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} وَلِكُلِّ جَمَاعَةِ سَلَفٍ فِيكُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ، جَعَلْنَا ذَبْحًا يُهَرِيقُونَ دَمَهُ {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} بِذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ الْبَهَائِمِ مَا لَيْسَ مِنَ الْأَنْعَامِ، كَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ لِلْبَهَائِمِ بَهَائِمُ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {جَعَلْنَا مَنْسَكًا} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ. حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} قَالَ: إِهْرَاقُ الدِّمَاءِ {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ. ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ، وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا وَلَهُ أَخْلِصُوا الْأُلُوهَةَ.وَقَوْلُهُ: {فَلَهُ أَسْلِمُوا} يَقُولُ: فَلِإِلَهِكُمْ فَاخْضَعُوا بِالطَّاعَةِ، وَلَهُ فَذِلُّوا بِالْإِقْرَارِ بِالْعُبُودِيَّةِ.وَقَوْلُهُ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ الْخَاضِعِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، الْمُذْعِنِينَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِخْبَاتِ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُرَادِ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُرِيدَ بِهِ: وَبَشِّرِ الْمُطْمَئِنِّينَ إِلَى اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} قَالَ: الْمُطْمَئِنِّينَ. حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} الْمُطْمَئِنِّينَ إِلَى اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى. وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} قَالَ: الْمُطْمَئِنِّينَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} قَالَ: الْمُتَوَاضِعِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: الْمُخْبِتُونَ: الَّذِينَ لَا يَظْلِمُونَ، وَإِذَا ظَلَمُوا لَمْ يَنْتَصِرُوا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، قَالَ: ثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. فَهَذَا مِنْ نَعْتِ الْمُخْبِتَيْنِ؛ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ تَخْشَعُ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَتَخْضَعُ مَنْ خَشْيَتِهِ وَجَلًا مِنْ عِقَابِهِ وَخَوْفًا مِنْ سُخْطِهِ. كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} قَالَ: لَا تَقْسُو قُلُوبُهُمْ. {وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} مِنْ شِدَّةٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَنَالَهُمْ مِنْ مَكْرُوهٍ فِي جَنْبِهِ {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} الْمَفْرُوضَةِ {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} مِنَ الْأَمْوَالِ (يُنْفِقُونَ) فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ إِنْفَاقُهَا فِيهِ، فِي زَكَاةٍ وَنَفَقَةِ عِيَالٍ وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالْبُدْنَ وَهِيَ جَمْعُ بَدَنَةَ، وَقَدْ يُقَالُ لِوَاحِدِهَا: بَدَنُ، وَإِذَا قِيلَ بَدَنُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا وَوَاحِدًا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ لِلْوَاحِدِ قَوْلُ الرَّاجِزِ: عَـلَيَّ حِـينَ نَمْلِـكُ الْأُمُـورَا *** صَـوْمَ شُـهُورٍ وَجَـبَتْ نُـذُورَا وَحَـلْقَ رَاسِـي وَافِيـًا مَضْفُـورَا *** وَبَدَنـا مُدَرَّعـا مُوْفُـورَا وَالْبَدَنُ: هُوَ الضَّخْمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِامْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ صَاحِبِ الْخَوَرْنَقِ، وَالسَّدِيرُ الْبَدَنَ: لِضِخَمِهِ وَاسْتِرْخَاءِ لَحْمِهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: قَدْ بَدَنَ تَبْدِينًا. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَالْإِبِلُ الْعِظَامُ الْأَجْسَامِ الضِّخَامُ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، يَقُولُ: مِنْ أَعْلَامِ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ فِي مَنَاسِكَ حَجِّكُمْ إِذَا قَلَّدْتُمُوهَا وَجَلَّلْتُمُوهَا وَأَشْعَرْتُمُوهَا عَلِمَ بِذَلِكَ وَشَعَرَ أَنَّكُمْ فَعُلْتُمْ ذَلِكَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} قَالَ: الْبَقَرَةُ وَالْبَعِيرُ. وَقَوْلُهُ: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} يَقُولُ: لَكُمْ فِي الْبُدْنِ خَيْرٌ، وَذَلِكَ الْخَيْرُ هُوَ الْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ بِنَحْرِهَا وَالصَّدَقَةُ بِهَا، وَفِي الدُّنْيَا: الرُّكُوبُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى رُكُوبِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى- وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} قَالَ: أَجْرٌ وَمَنَافِعُ فِي الْبُدْنِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} قَالَ: اللَّبَنُ وَالرُّكُوبُ إِذَا احْتَاجَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} قَالَ: إِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَى بَدَنَتِكَ رَكِبْتَهَا وَشَرِبْتَ لَبَنَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} مَنِ احْتَاجَ إِلَى ظَهْرِ الْبَدَنَةِ رَكِبَ، وَمَنِ احْتَاجَ إِلَى لَبَنِهَا شَرِبَ. وَقَوْلُهُ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى الْبُدْنِ عِنْدَ نَحْرِكُمْ إِيَّاهَا صَوَافَّ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} بِمَعْنَى مُصْطَفَّةٍ، وَاحِدُهَا: صَافَّةُ، وَقَدْ صَفَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهَا. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ مَعَهُمْ، أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ. "صَوَافِيَ" بِالْيَاءِ مَنْصُوبَةً، بِمَعْنَى: خَالِصَةٌ لِلَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهَا صَافِيَةٌ لَهُ. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ: "صَوَافٍ" بِإِسْقَاطِ الْيَاءِ وَتَنْوِينِ الْحَرْفِ، عَلَى مِثَالِ: عَوَارٍ وَعَوَادٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَهُ: "صَوَافِنٌ" بِمَعْنَى: مُعْقَلَةٌ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَنَصَبَهَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِمَنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ. ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ مَنْ قَرَأَهُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَنَصْبِهَا:- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ. صَوَافُّ: قِيَامًا عَلَى ثَلَاثِ أَرْجُلٍ. فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا نَصْنَعُ بِجُلُودِهَا؟ قَالَ: تَصَدَّقُوا بِهَا، وَاسْتَمْتَعُوا بِهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوِيدٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (صَوَافَّ) قَالَ: قَائِمَةٌ، قَالَ: يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} قَالَ: قِيَامًا عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ مَعْقُولَةٍ بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (صَوَافَّ) قَالَ: مَعْقُولَةٌ إِحْدَى يَدَيْهَا، قَالَ: قَائِمَةٌ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} يَقُولُ: قِيَامًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} وَالصَّوَّافُ: أَنْ تَعْقِلَ قَائِمَةً وَاحِدَةً وَتَصُفَّهَا عَلَى ثَلَاثٍ فَتَنْحَرُهَا كَذَلِكَ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بُجَيْرُ بْنُ سَالِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ، قَالَ: فَقَالَ: (صَوَافَّ) كَمَا قَالَ اللَّهُ، قَالَ: فَنَحَرَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ مَعْقُولَةٌ إِحْدَى يَدَيْهَا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الصَّوَافُّ: إِذَا عَقَلْتَ رِجْلَهَا وَقَامَتْ عَلَى ثَلَاثٍ. قَالَ: ثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} قَالَ: صَوَافُّ بَيْنَ أَوْظَافِهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى- وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (صَوَافَّ) قَالَ: قِيَامٌ صَوَّافٌ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ. - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} قَالَ: بَيْنَ وَظَائِفِهَا قِيَامًا. حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ كَانَ يَنْحَرُ الْبُدْنَ وَهِيَ قَائِمَةٌ مُسْتَقْبِلَةُ الْبَيْتَ تَصُفُّ أَيْدِيهَا بِالْقُيُودِ، قَالَ: هِيَ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنِي جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: قَوْلُ اللَّهِ {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} قَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْحَرَ الْبَدَنَةَ فَانْحَرْهَا، وَقُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، ثُمَّ سَمِّ ثُمَّ انْحَرْهَا. قُلْتُ: فَأَقُولُ ذَلِكَ لِلْأُضْحِيَّةِ، قَالَ: وَلِلْأُضْحِيَّةِ. ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ مَنْ قَرَأَهُ: "صَوَافِيَ" بِالْيَاءِ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: " فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِيَ" قَالَ: مُخْلِصِينَ. قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: "صَوَافِيَ": خَالِصَةٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: "صَوَافِيَ": خَالِصَةٌ لِلَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ شَقِيقٍ الضَّبِّيِّ: " فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِيَ" قَالَ: خَالِصَةٌ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ قَوْلِهِ: "فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِيَ" قَالَ: خَالِصًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: " فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِيَ" قَالَ: خَالِصَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَرِيكٌ كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْعَلُونَ، يَجْعَلُونَ لِلَّهِ وَلِآلِهَتِهِمْ صَوَافِيَ صَافِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى. ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ مَنْ قَرَأَهُ "صَوَافِنَ": حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِنَ ": أَيْ مُعَقَّلَةً قِيَامًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِنَ" قَالَ: أَيْ مُعَقَّلَةً قِيَامًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَنْ قَرَأَهَا "صَوَافِنَ" قَالَ: مَعْقُولَةٌ. قَالَ: وَمَنْ قَرَأَهَا: (صَوَافَّ) قَالَ: تَصُفُّ بَيْنَ يَدَيْهَا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ" يَعْنِي صَوَافِنَ، وَالْبَدَنَةُ إِذَا نُحِرَتْ عَقَلَتْ يَدًا وَاحِدَةً، فَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثٍ، وَكَذَلِكَ تُنْحَرُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: (صَوَافَّ) وَهِيَ الْمُصْطَفَّةُ بَيْنَ أَيْدِيهَا الْمَعْقُولَةُ إِحْدَى قَوَائِمِهَا. وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} يَقُولُ: فَإِذَا سَقَطَتْ فَوَقَعَتْ جَنُوبُهَا إِلَى الْأَرْضِ بَعْدَ النَّحْرِ، {فَكُلُوا مِنْهَا} وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ وَجَبَتِ الشَّمْسُ: إِذَا غَابَتْ فَسَقَطَتْ لِلتَّغَيُّبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ: ألَـمْ تُكْسَـفِ الشَّـمْسُ وَالْبَـدْرُ *** وَالْكَـوَاكِبُ لِلْجَـبَلِ الْوَاجِـبِ يَعْنِي بِالْوَاجِبِ: الْوَاقِعُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنِي عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} سَقَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} قَالَ: إِذَا فَرَغَتْ وَنُحِرَتْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَإِذَا وَجَبَتْ} نُحِرَتْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} قَالَ: إِذَا نُحِرَتْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} قَالَ: فَإِذَا مَاتَتْ. وَقَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِنْهَا} وَهَذَا مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ الْإِبَاحَةُ وَالْإِطْلَاقُ؛ يَقُولُ اللَّهُ: فَإِذَا نُحِرَتْ فَسَقَطَتْ مَيِّتَةً بَعْدَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ أَكْلُهَا، وَلَيْسَ بِأَمْرِ إِيجَابٍ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: الْمُشْرِكُونَ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، فَرَخَّصَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَمَنْ شَاءَ أَكَلَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ، فَهِيَ بِمَنْـزِلَةِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} يَقُولُ: يَأْكُلُ مِنْهَا وَيُطْعِمُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ. وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ. وَأَخْبَرَنَا حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِنْهَا} قَالَ: إِنْ شَاءَ أَكَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ رُخْصَةٌ، هِيَ كَقَوْلِهِ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} وَمَثْلَ قَوْلِهِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}، وَقَوْلُهُ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} يَقُولُ: فَأَطْعِمُوا مِنْهَا الْقَانِعَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالْقَانِعِ وَالْمُعْتَرِّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَانِعُ الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا أُعْطِي أَوْ بِمَا عِنْدَهُ وَلَا يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ أَنْ تُطْعِمَهُ مِنَ اللَّحْمِ وَلَا يَسْأَلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ: الْقَانِعُ: الْمُسْتَغْنِي بِمَا أَعْطَيْتَهُ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ وَيُلِمُّ بِكَ أَنْ تُطْعِمَهُ مِنَ اللَّحْمِ وَلَا يَسْأَلُ. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرَ أَنْ يُطْعَمُوا مِنَ الْبُدْنِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْقَانِعُ: جَارُكَ الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا أَعْطَيْتَهُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ وَلَا يَسْأَلُكَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ يَرْضَى بِهِ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَمُرُّ بِجَانِبِكَ لَا يَسْأَلُ شَيْئًا؛ فَذَلِكَ الْمُعْتَرُّ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا عِنْدَهُ وَلَا يَسْأَلُ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ فَيَسْأَلُكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} يَقُولُ: الْقَانِعُ الْمُتَعَفِّفُ؛ (وَالْمُعْتَرُّ) يَقُولُ: السَّائِلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: ثَنَا خُصَيْفٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: الْقَانِعُ: أَهْلُ مَكَّةَ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ فَيَسْأَلُكَ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا عَطَاءٌ عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنِي كَعْبُ بْنُ فَرُّوخٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَسْأَلُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: الْقَانِعُ: الْمُتَعَفِّفُ الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ فَيَسْأَلُكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْقَانِعُ: وَالْمُعْتَرُّ، قَالَ: الْقَانِعُ: الطَّامِعُ بِمَا قِبَلَكَ وَلَا يَسْأَلُكَ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ وَيَسْأَلُكَ. حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ قَالَا الْقَانِعُ: الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَسْأَلُكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي الْقَانِعِ وَالْمُعْتَرِّ، قَالَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا فِي يَدَيْهِ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ، وَلِكِلَيْهِمَا عَلَيْكَ حَقٌّ يَا ابْنِ آدَمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ: الْقَانِعُ الَّذِي يَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ. وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: هُوَ السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: هُوَ الَّذِي يَعْتَرِيكَ وَلَا يَسْأَلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ وَلَا يَسْأَلُكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ. قَالَ: وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَسْأَلُكَ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ، يَتَعَرَّضُ وَلَا يَسْأَلُكَ. حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَسْأَلُكَ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْقَانِعُ: السَّائِلُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: ثَنِي غَالِبٌ، قَالَ: ثَنِي شَرِيكٌ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: (الْقَانِعَ) قَالَ هُوَ السَّائِلُ، ثُمَّ قَالَ. أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّمَّاخِ: لَمَـالُ الْمَـرْءِ يُصْلِحُـهُ فَيُغْنِـي *** مَفَـاقِرَهُ أعَـفُّ مِـنَ الْقُنُـوعِ قَالَ: مِنَ السُّؤَالِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ إِلَيْكَ يَسْأَلُكَ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يُرِيكَ نَفْسَهُ وَيَتَعَرَّضُ لَكَ وَلَا يَسْأَلُكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ وَيُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ. قَالَ: الْقَانِعُ: السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَلَا يَسْأَلُ. حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: الْجَارُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ مِنَ النَّاسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنَا إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْقَانِعُ: جَارُكَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حُكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ: الْقَانِعُ: جَارُكَ الْغَنِيُّ، وَالْمُعْتَرُّ: مَنِ اعْتَرَاكَ مِنَ النَّاسِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} أَنَّهُ قَالَ: أَحَدُهُمَا السَّائِلُ، وَالْآخِرُ الْجَارُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: الطَّوَّافُ، وَالْمُعْتَرُّ: الصَّدِيقُ الزَّائِرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنِي أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} فَالْقَانِعُ: الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ، وَالْمُعْتَرُّ: الصَّدِيقُ وَالضَّعِيفُ الَّذِي يَزُورُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: الطَّامِعُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرُّ بِالْبَدَنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى- وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: (الْقَانِعَ) قَالَ: الطَّامِعُ؛ وَالْمُعْتَرُّ: مَنْ يَعْتَرُّ بِالْبَدَنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: الْقَانِعُ: الطَّامِعُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: هُوَ الْمِسْكِينُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلَّحْمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} قَالَ: الْقَانِعُ: الْمِسْكِينُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرَّ الْقَوْمَ لِلَحْمِهِمْ وَلَيْسَ بِمِسْكِينٍ، وَلَا تَكُونُ لَهُ ذَبِيحَةٌ، يَجِيءُ إِلَى الْقَوْمِ مِنْ أَجْلِ لَحْمِهِمْ، وَالْبَائِسُ الْفَقِيرُ: هُوَ الْقَانِعُ. وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا:- حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ فُرَاتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يُقْنِعُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ بِمَثَلِهِ. قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ: {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} الْقَانِعُ: الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِالْقَانِعِ السَّائِلَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنِيُّ بِالْقَانِعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُكْتَفِيَ بِمَا عِنْدَهُ وَالْمُسْتَغْنِيَ بِهِ لَقِيلَ: وَأَطْعَمُوا الْقَانِعَ وَالسَّائِلَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَأَطْعَمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ. وَفِي إِتْبَاعِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: "وَالْمُعْتَر" الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ الْقَانِعَ مَعْنِيٌّ بِهِ السَّائِلُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَنِعَ فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، بِمَعْنَى سَأَلَهُ وَخَضَعَ إِلَيْهِ، فَهُوَ يُقْنِعُ قَنُوعًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيَدٍ: وَأَعْطـَانِي الْمَـوْلَى عَـلَى حِـينِ فَقْرِهِ *** إِذَا قَـالَ أبْصِـرْ خَـلَّتِي وَقُنُـوعِي وَأَمَّا الْقَانِعُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْمُكْتَفِي، فَإِنَّهُ مِنْ قَنِعْتُ بِكَسْرِ النُّونِ أَقْنَعَ قَنَاعَةً وَقَنِعًا وَقُنْعَانًا. وَأَمَّا الْمُعْتَرُّ: فَإِنَّهُ الَّذِي يَأْتِيكَ مُعْتَرًّا بِكَ لِتُعْطِيَهُ وَتُطْعِمَهُ. وَقَوْلُهُ: {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ} يَقُولُ هَكَذَا سَخَّرْنَا الْبُدْنَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ. يَقُولُ: لِتَشْكُرُونِي عَلَى تَسْخِيرِهَا لَكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: [لَمْ يَصِلْ إِلَى اللَّهِ لُحُومُ بُدْنُكُمْ وَلَا دِمَاؤُهَا، وَلَكِنْ يَنَالُهُ اتِّقَاؤُكُمْ إِيَّاهُ أَنِ اتَّقَيْتُمُوهُ فِيهَا فَأَرَدْتُمْ بِهَا وَجْهَهُ، وَعَمِلْتُمْ فِيهَا بِمَا نَدَبَكُمْ إِلَيْهِ وَأَمَرَكُمْ بِهِ فِي أَمْرِهَا وَعَظَّمْتُمْ بِهَا حُرُمَاتَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} قَالَ: مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} قَالَ: إِنَّ اتَّقَيْتَ اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبُدْنِ، وَعَمِلْتَ فِيهَا لِلَّهِ، وَطَلَبْتَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ اللَّهِ وَلِحُرُمَاتِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} قَالَ {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} قَالَ: وَجَعَلَتَهُ طَيِّبًا، فَذَلِكَ الَّذِي يَتَقَبَّلُ اللَّهُ. فَأَمَّا اللُّحُومُ وَالدِّمَاءُ، فَمِنْ أَيْنَ تَنَالُ اللَّهَ؟ وَقَوْلُهُ: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ} يَقُولُ: هَكَذَا سَخَّرَ لَكُمُ الْبُدْنَ.يَقُولُ: {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} يَقُولُ: كَيْ تُعَظِّمُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، يَعْنِي عَلَى تَوْفِيقِهِ إِيَّاكُمْ لِدِينِهِ وَلِلنُّسُكِ فِي حَجِّكُمْ. كَمَا:- حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} قَالَ: عَلَى ذَبْحِهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}: يَقُولُ: وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ أَطَاعُوا اللَّهَ فَأَحْسَنُوا فِي طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا بِالْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ غَائِلَةَ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، إِنِ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ يَخُونُ اللَّهَ فَيُخَالِفُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَيَعْصِيهِ وَيُطِيعُ الشَّيْطَانَ (كَفُورٍ) يَقُولُ: جَحُودٌ لِنِعَمِهِ عِنْدَهُ، لَا يَعْرِفُ لِمُنْعِمِهَا حَقَّهُ فَيَشْكُرُهُ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ دَفْعَ اللَّهِ كَفَّارَ قُرَيْشٍ عَمَّنْ كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ هِجْرَتِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ فِي سَبِيلِهِ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ ظَلَمُوهُمْ بِقِتَالِهِمْ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (أُذِنَ) بِضَمِّ الْأَلِفِ، (يُقَاتَلُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِتَرْكِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ فِي أُذِنَ وَيُقَاتَلُونَ جَمِيعًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ: (أُذِنَ) بِتَرْكِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَ"يُقَاتِلُونَ" بِكَسْرِ التَّاءِ، بِمَعْنَى يُقَاتِلُ الْمَأْذُونُ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: "أَذِنَ" بِفَتْحِ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى: أَذِنَ اللَّهُ، وَ"يُقَاتِلُونَ" بِكَسْرِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالْقِتَالِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَاتُ الثَّلَاثُ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا أُذِنَ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ يَرْجِعُ مَعْنَاهُ فِي التَّأْوِيلِ إِلَى مَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْهِ مَا سُمِّيَ فَاعِلُهُ- وَإِنَّ مَنْ قَرَأَ يُقَاتِلُونَ، وَيُقَاتَلُونَ بِالْكَسْرِ أَوِ الْفَتْحِ، فَقَرِيبٌ مَعْنَى أَحَدِهِمَا مِنْ مَعْنَى الْآخَرِ- وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ إِنْسَانًا فَالَّذِي قَاتَلَهُ لَهُ مُقَاتِلٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَاتِلٌ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَبِأَيَّةِ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ. غَيْرَ أَنَّ أَحَبَّ ذَلِكَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهِ: أَذِنَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى: أَذِنَ اللَّهُ، لِقُرْبِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} أَذِنَ اللَّهُ فِي الَّذِينَ لَا يُحِبُّهُمْ لِلَّذِينِ يُقَاتِلُونَهُمْ بِقِتَالِهِمْ، فَيُرَدُّ أُذِنَ عَلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ} وَكَذَلِكَ أَحَبُّ الْقِرَاءَاتِ إِلَيَّ فِي يُقَاتِلُونَ كَسْرُ التَّاءِ، بِمَعْنَى: الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ مَنْ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُحِبُّهُمْ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا مَعْنَى بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِالْإِذْنِ لَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الْقِتَالِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ: نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ إِذَا أَخْرَجُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ يَقُولُ اللَّهُ: {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} وَقَدْ فَعَلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبُطَيْنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ رَجُلٌ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ، فَنَـزَلَتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الْآيَةَ {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَيَهْلِكُنَّ- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ. وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَـزَلَتْ.قَالَ ابْنُ دَاوُدَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانُوا يَقْرَءُونَ: (أُذِنَ) وَنَحْنُ نَقْرَأُ: "أَذِنَ". حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يَكُونُ قِتَالٌ. وَإِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ انْتَهَى حَدِيثُهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُخْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ لَيَهْلِكُنَّ جَمِيعًا! فَلَمَّا نَـزَلَتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} عَرَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} قَالَ: أَذِنَ لَهُمْ فِي قِتَالِهِمْ بَعْدَ مَا عَفَا عَنْهُمْ عَشْرَ سِنِينَ. وَقَرَأَ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} وَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَوْمٌ بِأَعْيَانِهِمْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ يُرِيدُونَ الْهِجْرَةَ، فَمُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى- وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} قَالَ: أُنَاسٌ مُؤْمِنُونَ خَرَجُوا مُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانُوا يَمْنَعُونَ، فَأَذِنَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ، فَقَاتَلُوهُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} قَالَ: نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ خَرَجُوا مُهَاجِرِينَ مَنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُمْنَعُونَ، فَأَدْرَكَهُمُ الْكَفَّارُ، فَأُذِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ فَقَاتَلُوهُمْ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَقُولُ: أَوَّلُ قِتَالٍ أَذِنَ اللَّهُ بِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَـزَلَتْ فِي الْقِتَالِ، فَأُذِنَ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} قَالَ: هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ أَنْـزَلَتْ فِي الْقِتَالِ، فَأُذِنَ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا. وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا قَالَ: أُذِنَ لِلَّذِينِ يُقَاتَلُونَ بِالْقِتَالِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا اسْتَأْذِنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الْكَفَّارِ إِذَا آذَوْهُمْ وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِمْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ غِيلَةً سِرًّا؛ فَأَنْـزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَطْلَقَ لَهُمْ قَتْلَهُمْ وَقِتَالَهُمْ، فَقَالَ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا}. وَهَذَا قَوْلُ ذُكِرَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ ثَبْتٍ. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِقَادِرٌ، وَقَدْ نَصَرَهُمْ فَأَعَزَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُمْ وَأَذَلَّهُمْ بِأَيْدِيهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أُذِنَ لِلَّذِينِ يُقَاتَلُونَ {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} فَالَّذِينَ الثَّانِيَةُ رَدٌّ عَلَى الَّذِينَ الْأُولَى. وَعَنَى بِالْمُخْرَجِينَ مِنْ دُورِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ مِنْ مَكَّةَ. وَكَانَ إِخْرَاجُهُمْ إِيَّاهُمْ مِنْ دُورِهِمْ وَتَعْذِيبُهُمْ بَعْضَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَسَبُّهُمْ بَعْضَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَوَعِيدُهُمْ إِيَّاهُمْ، حَتَّى اضْطَرُّوهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ عَنْهُمْ. وَكَانَ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ بِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى بَاطِلٍ وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْحَقِّ، فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ}. وَقَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمْ يُخْرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ إِلَّا بِقَوْلِهِمْ: رَبُّنَا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ! فَأَنَّ فِي مَوْضِعٍ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: {بِغَيْرِ حَقٍّ}، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَقَوْلُهُ: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} دَفْعُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْلَا الْقِتَالُ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} قَالَ لَوْلَا الْقِتَالُ وَالْجِهَادُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعَيْنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَوْسَجَةَ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ مِنْهُمْ لَاحِقُ بْنُ الْأَقْمَرِ وَالْعَيْزَارُ بْنُ جَرْوَلٍ وَعَطِيَّةُ الْقُرَظِيُّ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّمَا أُنْـزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} لَوْلَا دِفَاعُ اللَّهِ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ عَنِ التَّابِعَيْنِ {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِمَنْ أَوْجَبَ قَبُولَ شَهَادَتِهِ فِي الْحُقُوقِ تَكُونُ لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ عَمَّنْ لَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَغَيْرُهُ، فَأَحْيَا بِذَلِكَ مَالَ هَذَا وَيُوقِي بِسَبَبِ هَذَا إِرَاقَةَ دَمِ هَذَا، وَتَرَكُوا الْمَظَالِمَ مِنْ أَجْلِهِ، لَتَظَالَمَ النَّاسُ فَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} يَقُولُ: دَفْعُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي الشَّهَادَةِ، وَفِي الْحَقِّ، وَفِيمَا يَكُونُ مِنْ قِبَلِ هَذَا. يَقُولُ: لَوْلَاهُمْ لَأُهْلِكَتْ هَذِهِ الصَّوَامِعُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْلَا دِفَاعُهُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، لَهُدِّمَ مَا ذَكَرَ، مِنْ دَفْعِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، وَكَفِّهِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ كَفُّهُ بِبَعْضِهِمُ التَّظَالُمَ، كَالسُّلْطَانِ الَّذِي كَفَّ بِهِ رَعِيَّتُهُ عَنِ التَّظَالُمِ بَيْنَهُمْ؛ وَمِنْهُ كَفُّهُ لِمَنْ أَجَازَ شَهَادَتَهُ بَيْنَهُمْ بِبَعْضِهِمْ عَنِ الذَّهَابِ بِحَقِّ مَنْ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَكُلُّ ذَلِكَ دَفْعٌ مِنْهُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ، لَوْلَا ذَلِكَ لَتَظَالَمُوا، فَهَدَمَ الْقَاهِرُونَ صَوَامِعَ الْمَقْهُورِينَ وَبَيْعُهُمْ وَمَا سَمَّى جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَلَمْ يَضَعِ اللَّهُ تَعَالَى دَلَالَةً فِي عَقْلٍ عَلَى أَنَّهُ عَنَى مِنْ ذَلِكَ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، وَلَا جَاءَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ خَبَرٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، فَذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْعُمُومِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُهُ قَبْلُ لِعُمُومِ ظَاهِرِ ذَلِكَ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالصَّوَامِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا صَوَامِعَ الرُّهْبَانِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ رَفِيعٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} قَالَ: صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} قَالَ: صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ. - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} قَالَ: صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} قَالَ: صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: فِي قَوْلِهِ: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} وَهِيَ صَوَامِعُ الصِّغَارِ يَبْنُونَهَا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ صَوَامِعُ الصَّابِئِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: (صَوَامِعُ) قَالَ: هِيَ لِلصَّابِئِينَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (لَهُدِّمَتْ). فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: "لَهُدِمَتْ". خَفِيفَةٌ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (لَهُدِّمَتْ) بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى تَكْرِيرِ الْهَدْمِ فِيهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَالتَّشْدِيدُ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ. لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَبِيَعٌ) فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهَا: بِيَعَ النَّصَارَى. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مِثْلَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ رُفَيْعٍ: (وَبِيَعٌ) قَالَ: بِيَعُ النَّصَارَى. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: (وَبِيَعٌ) لِلنَّصَارَى. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: الْبِيَعُ: بِيَعَ النَّصَارَى. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالْبِيَعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَنَائِسَ الْيَهُودِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ. قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: (وَبِيَعٌ) قَالَ: وَكَنَائِسُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: (وَبِيَعٌ) قَالَ: الْبِيَعُ لِلْكَنَائِسِ. قَوْلُهُ: (وَصَلَوَاتٌ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالصَّلَوَاتِ الْكَنَائِسَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (وَصَلَوَاتٌ) قَالَ: يَعْنِي بِالصَّلَوَاتِ الْكَنَائِسَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (وَصَلَوَاتٌ) كَنَائِسُ الْيَهُودِ، وَيُسَمُّونَ الْكَنِيسَةَ صِلْوَتَا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: (وَصَلَوَاتٌ) كَنَائِسُ الْيَهُودِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالصَّلَوَاتِ مَسَاجِدَ الصَّابِئِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنِ الصَّلَوَاتِ. قَالَ: هِيَ مَسَاجِدُ الصَّابِئِينَ. قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ رُفَيْعٍ، نَحْوَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَسَاجِدُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِأَهْلِ الْكِتَابِ بِالطُّرُقِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: (وَصَلَوَاتٌ) قَالَ: مَسَاجِدُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَلِأَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالطُّرُقِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: (وَصَلَوَاتٌ) قَالَ: الصَّلَوَاتُ صَلَوَاتُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، تَنْقَطِعُ إِذَا دَخَلَ الْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ، انْقَطَعَتِ الْعِبَادَةُ، وَالْمَسَاجِدُ تُهْدَمُ، كَمَا صَنَعَ بَخْتِنْصَرُ. وَقَوْلُهُ: {وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} اخْتُلِفَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي أُرِيدَتْ بِهَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُرِيدَ بِذَلِكَ مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ عَنْ رُفَيْعٍ قَوْلَهُ: (وَمَسَاجِدُ) قَالَ: مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} قَالَ: الْمَسَاجِدُ: مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: (وَمَسَاجِدُ) الصَّوَامِعَ وَالْبِيَعَ وَالصَّلَوَاتِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:- حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: (وَمَسَاجِدُ) يَقُولُ فِي كُلِّ هَذَا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا، وَلَمْ يَخُصَّ الْمَسَاجِدَ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: الصَّلَوَاتُ لَا تُهْدَمُ، وَلَكِنَّ حَمَلَهُ عَلَى فِعْلٍ آخَرَ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَتُرِكَتْ صَلَوَاتٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا يَعْنِي: مَوَاضِعُ الصَّلَوَاتِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا هِيَ صَلَوَاتٌ، وَهِيَ كَنَائِسُ الْيَهُودِ، تُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ: صِلْوَتَا. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ وَبِيَعُ النَّصَارَى، وَصَلَوَاتُ الْيَهُودِ، وَهِيَ كَنَائِسُهُمْ، وَمَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى بِتَأْوِيلٍ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُسْتَفِيضُ فِيهِمْ، وَمَا خَالَفَهُ مِنَ الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَغَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِيمَا وَجَّهَهُ إِلَيْهِ مَنْ وَجَّهَهُ إِلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَيُعِينُنَّ اللَّهُ مَنْ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِهِ، لِتَكُونَ كَلِمَتُهُ الْعُلْيَا عَلَى عَدُوِّهِ؛ فَنَصْرُ اللَّهِ عَبْدَهُ: مَعُونَتُهُ إِيَّاهُ، وَنَصْرُ الْعَبْدِ رَبَّهُ: جِهَادُهُ فِي سَبِيلِهِ، لِتَكُونَ كَلِمَتُهُ الْعُلْيَا. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَلَى نَصْرِ مَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَطَاعَتِهِ، عَزِيزٌ فِي مُلْكِهِ، يَقُولُ: مَنِيعٌ فِي سُلْطَانِهِ، لَا يَقْهَرُهُ قَاهِرٌ، وَلَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ.
|